الاثنين، 16 فبراير 2009

لعلنا اكتشفنا بعضا من عجزنا

الخميس 17 صفر 1430هـ ، المقالة الأسبوعية
لم توضع إدارات التربية والتعليم والمدارس الابتدائية على وجه الخصوص على محك اختبار الفاعلية بأكثر مما وضعت فيه هذا العام عندما تأكد تصميم وزارة التربية والتعليم على تطبيق قرارها بشأن تنظيم الدوام في المدارس الابتدائية خلال المدة المتزامنة مع اختبارات المرحلتين المتوسطة والثانوية ، فقد جاء القرار موجهًا بدهيًا إلى بذل الجهود الممكنة لاستثمار أوقات الطلاب بالطريقة الأمثل لما يحقق الأهداف التربوية والتعليمية وبما يدعم توجهات برامج التربية والتعليم الإثرائية والعلاجية وبرامج الأنشطة الطلابية الجاذبة والمحفزة للتعليم والتعلم وإكساب المهارات الحياتية والاجتماعية والفنية المتنوعة
ولجأت إدارات التربية والتعليم إلى التخطيط ورسم آليات تفعيل الدراسة خلال مدة الاختبارات - اختبارات المرحلتين المتوسطة والثانوية من جانب ، واختبارات الفاعلية لبرامج التربية والتعليم في المرحلة الابتدائية - وحررت التعاميم التي تتضمن التوجيهات والتأكيدات على بناء خطط فاعلة وجاذبة للطلاب والطالبات من قبل المدارس الابتدائية ، ومؤكدة على أهمية التواصل مع الأسرة وأولياء الأمور لإيضاح الجدية في العمل والتخطيط من أجل منفعة الطلاب والطالبات ، وقد أفلحت بعض إدارات المدارس الابتدائية بتسليم خططها وجداول استثمار أوقات الطلاب خلال مدة الاختبارات المشار إليها للطلاب وأولياء أمورهم ، واجتهدت الجهات الإشرافية في وضع خطط المتابعة والإشراف على الأداء في المدارس الابتدائية اجتهادها بمتابعة الاختبارات في المراحل التعليمية الأخرى ، وبدأت ساعات الاختبار الحقيقي لقياس قدرة النظام التربوي والتعليمي في المملكة العربية السعودية على جذب الطلاب والطالبات للبيئات التربوية المعلمة والفاعلة والنشطة ، ولإقناع أولياء الأمور بالجدية والعمل المخلص النافع لأولادهم ، ومع بداية ساعات الاختبار الأولى تأتي النتيجة المخجلة والمتمثلة في عدم إقبال الغالبية من الطلاب والطالبات على المدارس ، وتزايدت نسبة مقاطعة الطلاب للمدارس مع تراكم ساعات الاختبار الحقيقي في الأيام التالية حتى أن كثيرا من المدارس لم تسجل حضور طالب واحد أو طالبة واحدة مع حلول اليوم الثالث ، ومن المتوقع ألا يحدث تحسنًا في الأيام المتبقية ، وبحكم عملي مديرًا للتربية والتعليم فقد تألمت أثناء زياراتي التفقدية الميدانية خلال أيام الاختبارات المشار إليها من خلو مقاعد الطلاب وساحات الأنشطة في بعض المدارس الابتدائية من الطلاب ، وفي البعض اليسير من المدارس لم ترتقي نسبة حضور الطلاب عن العشر منهم .
وقد تناولت وسائل الإعلام هذه الظاهرة من وجهات نظر متعددة ، لكننا قد لا نرى في هذه الظاهرة عجزنا الحقيقي عن جذب أولادنا إلى المدارس ، بالقدر الذي نبرر فيه سوء النتيجة بعدم ملاءمة القرار أو صلاحيته أو بعدم قناعة أولياء الأمور أو بإسهام وسائل الإعلام في الإيحاء للمجتمع بعدم الفاعلية لحضور الطلاب مستبقة اختبار فاعلية المدارس بتطبيق القرار ، وإنني لألفت النظر هنا إلى الأسباب المباشرة وراء هذا الفشل في جذب الطلاب إلى التعليم والتعلم ، وأجد أن التخطيط لاستثمار هذه المدة لم يبلغ الغالبية من أولياء الأمور وقليل من الذين بلغهم لم يحفزوا أولادهم على الحضور ، وقد بدأ التقصير من وجهة نظري من الوزارة وإدارات التربية والتعليم والمدارس في التوعية باستثمار أوقات الطلاب والطالبات بما يعود إليهم بالنفع التربوي والتعليمي بالشكل المتعادل على الأقل مع أيام الدراسة الأخرى التي تدعوا أولياء الأمور إلى تشجيع أولادهم على الانتفاع بها ،ثم إلى ما تضمنه القرار الوزاري من إيحاء بالاختيارية في حضور الطلاب عندما حدد فترة انصراف الطلاب بالزمن المماثل لانصراف طلاب المراحل التعليمية الأخرى ، ثم إلى أسلوب التنفيذ لخطة البرامج والأنشطة خلال مدة التطبيق في اليومين الأول والثاني ، وأسلوب متابعة الطلاب والحث على انتظامهم ، وأخيرًا تأتي الأسباب الاجتماعية الأخرى .
إلا أن الثابت للمتابعين أن نسبة المدارس التي فعلت القرار بنسبة تزيد عن 50% من المأمول لم تتجاوز ما نسبته 10% من المدارس للبنين والبنات على مستوى المملكة ، وهي النتيجة الكافية التي تؤكد عجزنا عن جذب الطلاب والطالبات إلى المدارس .
أتذكر في هذا الحدث المحزن ، أملاً كان يردده كثيرًا معالي وزير التربية والتعليم الأسبق الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد في الاجتماعات واللقاءات المتعلقة بالمدارس حيث يقول : لن نحكم على نجاحنا إلا إذا تأكد لنا أن أبناءنا الطلاب ينطلقون فرحين إلى مدارسهم وإذا ما منعوا عنها أو حجبتهم عنها إجازة أو مناسبة أو ظرف حزنوا وتألموا ومعهم أولياء أمورهم .
واليوم مجتمعنا وإعلامنا ينتقد قرار وزارة التربية والتعليم باستمرار النفع لأولادنا في المدارس خلال مدة الاختبار ، ومدارسنا لا تجتهد بالحد الأدنى لوضع الخطط المناسبة وتسليمها للطلاب وأولياء أمورهم ، ولم تبذل الجهود للمتابعة والإخلاص في التطبيق بما يغير من ثقافة المجتمع ويعيد الأمل في أن تكون مدارسنا جاذبة ومتابعة ومهيأة لتعليم وتعلم يزيد من إقبال الطلاب عليها والاقتناع بها والفرح بالانطلاق إليها والحزن عند مغادرتها . ولعلنا من هذا الحدث نبدأ بدراسة الأسباب وتشخيص المشكلة بالأساليب العلمية التي تساعد على التقدم نحو الحلول الملائمة قبل أن يصل المجتمع إلى القناعة بعدم جدوى المدارس من أول أيام الدراسة حتى نهايتها . والعقلاء هم من يتعلمون من أخطائهم ، والله الموفق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق