الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

وقفات من حياتي قبل أن تمحى من ذاكرتي ، الوقفة (9)



الوقفة (9): رحلة إلى غدير كردم والحفاة لتحطيم الأسطورة

في الفترة التي عشتها في كنف قريتي في مرحلة ما قبل دخولي المدرسة وفي سنوات المرحلة الابتدائية من الله تبارك وتعالى على قريتي وما حولها من قرى الحجاز في جبال السروات بالكثير من الفضل والنعمة حيث الأمطار العزيرة في جميع فصول العام وديمومتها في فصلي الشتاء والخريف حتى غدت الأرض والجبال والأودية مخضرة ولا تكاد ترى شبرًا من الأرض دون غطاء أخضر يزينها حتى العرق – جمع عراق – وهي الجدران الفاصلة بين القطع الزراعية غطتها النباتات الخضراء وتفجرت الأرض ينابيع من كل سند – والسند هو الجزء المتاخم للعراق أو الجدار الفاصل من القطع الزراعية، وكان عدد النجول – جمع نجل ويطلق على النبع المتفجر من الصخر أو من تحت الجدار الفاصل بين القطع الزراعية – يزيد في القرية وأحميتها في بعض الأحيان عن الثلاثين والأربعين نجلا ، مما يعيق في كثير من الأحيان الزراعة حيث تغرق الكثير من القطع الزراعية في الماء المتفجر من داخل الأرض ، والكثير من الآبار المتوافرة في أودية القرية تمتلئ بالمياه وتفيض بعضها على الأراضي الزراعية حولها ، ولا تكاد ترى شجرًا يابسًا حتى تلك الأشجار الجبلية مثل الطلح والعرعر ، وأودية القرية الواقعة في الجهة الغربية منها تجري المياه في أوديتها باستمرار مشكلة سلسلة من الشلالات والغدران يزيد منسوب المياه فيها بزيادة الأمطار وغزارتها .
 وأذكر أن الصغار من جيلي كانوا يتعلمون السباحة في بعض تلك الغدران وخاصة غدير العلمة  بضم العين وفتح الميم وغدير الجمل ، بينما صغار أهل القرية في الوادي أو في القرية السفلى يتعلمون السباحة في غدران مماثلة في الوادي الذي تصب مياهه في سد الخضراء – وهو سد يعلو القطع الزراعية التي يملكها أخوالي آل زنان بني في وقت سابق بجهود محلية ويشبه في بنائه بناء السدود القديمة المتوافرة في منطقة الطائف كسد السملقي - بضم السين وتشديد اللام المضمومة - بوادي ثمالة وسد معاوية في وادي المثناة بالطائف ونحوها من السدود التاريخية القديمة والتي استخدمت الأحجار والجص في بنائها.
 وأذكر جيدًا أن أغلب القطع الزراعية في وادي ربية – بفتح الراء وتشديد الياء – كانت ممتلئة بالمياه المتدفقة من الينابيع ، وتبدو في أعيننا كبحار متجاورة ، ومياه تلك الأودية كوادي ربية ووادي مارد ووادي المعكس ووادي الفقهاء ووادي السد تتجه جميعها نحو وادي الحازم الذي تتسلسل فيه الغدران  والشلالات ، ويستمر جريان المياه في الأودية بين الجبال المتاخمة كجبل العامر وجبل الأعشى وجبل الرصافة وجبل العقاب وجبل الحمار لتصب في وادي معداة والحفاة وتواصل سيرها نحو وادي الجنش – بضم الجيم والنون - الذي يقام فيه اليوم سد الجنش المعاصر ضمن سلسلة السدود التي بنيت في المنطقة .
 ويقع غدير كردم الذي كنا نخافه نحن الصغار في وادي معداة الذي يتوسط حمى قرية الحكمان في الجهة الغربية منها ، وكنا نخافه فعلا لما أثير حوله من أساطير متوارثة ومصطنعة من الأهالي لتخويف الصغار من المغامرة بالعوم فيه لكبره وعمق مياهه وخاصة بعد حادثة غرق أحد أبناء القرية فيه ووفاته ، وكنا بسماع تلك الأساطير نظن بأن الجن تحيط به متربصة بالصغار لتغرقهم في مياهه العميقة ، ولذلك لا يتجرأ على العوم فيه إلا الكبار الذين بلغو من الإدراك ما يجعلهم يكذبون تلك الأساطير .
 وقد اعتاد الفتيان الكبار من أبناء قريتي على تنظيم الرحلات إلى تلك الأودية والتمتع بالعوم واللهو في غدرانها المتعددة وقضاء يوم كامل بين جنباتها حيث أصوات الشلالات وانسياب المياه في الأودية وأصوات شقشقة العصافير وتغريدات الطيور تملاء سكون الأودية مضفية أجواء من المتعة لمرتاديها من الرحالة ، فضلا عن غزارة الأشجار المتنوعة وخاصة تلك التي تنمو في بطون الأودية حيث وفرة المياه واستمرار جريانها .
 وفي يوم من الأيام اجتمعت مع بعض أقراني الذين كنت معهم نقوم بتنظيم المهرجانات لأبناء القرية من عمرنا حينذاك وبدأنا التخطيط لرحلة إلى وادي معداه مستهدفين تكسير أسطورة العوم في غدير كردم بعد أن أتقنا العوم في الغدران الصغيرة كغدير العلمة وغدير الجمل وغدير الغربة مقلدين إخواننا وأبناء القرية الكبار الذين اعتادوا على تنظيم مثل تلك الرحلات ، وبعد الاتفاق على المغامرة وتحديد متطلبات الرحلة ورسم خريطة الذهاب والإياب وزمنها وبعد توزيع المهام وتقسيم المتطلبات من الأواني والأمتعة والمأكولات على المشاركين في الرحلة بيتنا النية وعقدنا العزم متوكلين على الله لتنفيذ ما اتفقنا عليه .
 وفي فجر اليوم التالي تجمع الفريق وانطلقنا نحو وادي معداه متخذين طريق وادي ربية ثم وادي مارد العسير جدًا هدفًا للوصول من خلالها إلى وادي معداه حيث يتبسم فيه غدير كردم مملوءًا بالمياه فائضًا في مجرى الوادي بعده في اتجاه وادي الحفاة ، كنا نسرع الخطى حينًا ونبطي حينًا آخر فرحين بتلك المغامرة الأولى لتنفيذ رحلة لم ينفذها قبلا إلا الكبار من أبناء القرية ، وخلال مرورنا بالأودية كنا نقتطف بعض الثمار لأشجار التوت وأشجار الشثن التي تنتج ثمرات تشبه الكرز بلون أسود عند نضجها لكنها أصغر حجمًا ونلتقط بعض الأزهار العطرية التي تضفي رائحة زكية على الشاهي مثل الحبق نعناع الوادي والصخبرة -وهي نبتة عطرية جبلية تبنت في أسفل الحشائش الجبلية - وما أن بلغنا لجة الوادي الذي فيه الغدير الأسطورة حتى بدأنا نشد من عزم بعضنا البعض لرفض الأسطورة وتكذيبها ، فوضعنا متاعنا في مكان تم اختياره بالإجماع بين شجر العرعر في الجزء المطل من الجبل على الغدير ، وبدأنا اللهو وقد تفرقت الغيوم في السماء وأطلت علينا الشمس في وقت الصيف تمنح الدفيء وتنشر النور في أنحاء المكان .
 كنت ممن كلف بإعداد طعام الغداء وحراسة الأمتعة مع قلتها – الحلة والصحن وبراد الشاهي والفناجيل والسكين ودجاجة ذبحت ونتف ريشها في منزل أحد الأصدقاء من أعضاء الرحلة  وقليل من الأرز – وهذا يعني بقائي إلى جوار الغدير الأسطورة أنا ورفيقي في مهمة الحراسة وإعداد الغذاء ، انطلق الزملاء نحو وادي الحفاة قبل المغامرة بالعوم في الغدير بينما أنا ورفيقي قررنا البدء بخوض المغامرة بالعوم في الغدير وفعلا قمنا بتحطيم الأسطورة ودخلنا للعوم في الغدير وما أن قدم إلينا بقية الرفاق ورأونا نعوم دون خوف أو وجل حتى تسابقوا في خلع ملابسهم والقفز معنا في الغدير ، وقضينا يومًا ممتعًا متنقلين بين جنبات وادي الحفاة إلى أن بلغنا قريبًا من غدير الشلال وهو آخر غدير كبير في حمى القرية قبل وادي الجنش ، حطمنا الأسطورة لكننا مع رؤيتنا للشلال والغدير الأكبر في الوادي عقدنا العزم على تكرار القيام بمغامرة رحلة جديدة يكون هدفها غدير الشلال
 أذكر بأننا في تلك الرحلة والتي بقي في ذاكرتي الكثير من مشاهدها تعلمنا التخطيط والتنظيم وبعض مهارات القيادة وتدربنا فعليًا على التعاون والتكافل والتشاور واحترام الآراء وتعلمنا ما هو مهم بالنسبة لنا آنذاك وهو الإصرار على كسر حاجز الخوف من المغامرات والإصرار على تكذيب الأساطير بالتجربة وإثبات البرهان ، نعم كنا صغارًا في السن لكننا كنا نحاكي سلوك الكبار في كل مسلك ونحلم بالتميز ونحققه بالفعل نتيجة للإصرار والعزم والتوكل على الله ، ما أجمل تلك الذكريات التي علقت في الذاكرة ولا أزال أذكر تفاصيلها حتى هذه اللحظة لتأثيرها فينا وفي سلوكياتنا ومشاعرنا وبقاء آثارها لدى الغالبية من جيلي إلى اليوم . والله الموفق والمستعان ,,,,

الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

وقفات من حياتي قبل أن تمحى من ذاكرتي ، الوقفة (8)



الوقفة (8): مؤلفون ومنظمون ومخرجون

على الرغم من ندرة توافر أوقات اللهو للأولاد من جيلي بعد الانصراف من المدرسة لانشغال البعض منا مع أسرهم في الأعمال الزراعية أو الرعي والمساعدة في جلب المياه للمنازل والاحتطاب والاعتلاف وسقاية المزروعات وحمايتها ونحوها ، إلا أنني أذكر بأننا كنا بين الحين والآخر نلهو بممارسة بعض الألعاب الفردية أو الجماعية ، وقد أثرت ممارسة بعض الأنشطة المدرسية في تشكيل توجهاتنا ورغباتنا في اللهو خارج المدرسة.
 فمن الألعاب الجماعية التي كان يقبل عليها جيلي من الصغار في فترة الثمانينات وبداية التسعينات الهجرية من القرن المنصرم كانت لعبة كرة القدم وقد أختار الكبار وقلدهم الصغار في قريتي بعض الأراضي الزراعية الواسعة غير المزروعة شرقي القرية منها على ما أذكر قطعة أم قريش ، وقطعة المجادير بعد ذلك ثم قطعة أم دحيم ، وكانت جميع الأراضي الزراعية والآبار والجبال والطرق والسبل بمسمياتها المعلومة معروفة لدى كل أفراد القرية .
وكنا نمارس لعبة الصياد والسمك – وهي لعبة يخطط لها مستطيل بحسب سعة المكان الذي تمارس فيه اللعبة ومربعين في طرفا المستطيل يقف في كل مربع منها واحد منا نسميه الصقر الصياد بينما يدخل المشاركين في اللعب داخل المستطيل ويسمون الحمام ثم يقوم الصقور الصيادين بقذف كرة تصنع عادة من الشراب المحشو بأقمشة وأوراق خفيفة الوزن فإذا أصاب الصياد بها أحد المشاركين في اللعب داخل المستطيل يخرج المصاب من المستطيل ويكتفي بالمشاهدة حتى إذا لم يبق داخل المستطيل إلا إثنان يتم ترقيتهما إلى صقور يحتلان مكان الصقرين السابقين في المربعات في طرفي المستطيل وهكذا يتم تكرار اللعبة – وأذكر بأن المكان الذي اختير لممارسة هذه اللعبة كان في شمالي القرية في قطعة الحائط أو في قطعة الصبخة ، وبينما الكبار يمارسون كرة الطائرة في قطعة الواسط شرقي القرية أو في شعب أحمد جنوبي القرية ، كنا نمارس لعبة المثل في جبل أبو حميد غربي القرية – ولعبة المثل هي لعبة إصابة الهدف عن طريق الرمي بالحجارة حيث تنصب أحجار بحجم الكتاب لمتنافسين في موضع تحدد فيه المسافة بينهما بتقدير مدى الرمي لكل منهما ، وينصب كل منهما حجرين متتاليين بحيث إذا وقع الأول نتيجة إصابة ضعيفة يسقط إلى الخلف بدون أن يسقط الذي يليه ، ويسقط الثاني بالإصابة المباشرة أو إصابة الأول إصابة مباشرة قوية تدفعه لإسقاط الحجر المنصوب الذي يليه ، ويستمر اللعب إلى أن يتمكن الرامي من إسقاط الهدفين لمنافسه ثم يتم تبادل المواقع لجولة أخرى أو نزول متنافسين آخرين غيرهما – ويقع جبل أبو حميد إلى الجهة الغربية من القرية وقد مارس فيه جيلي الكثير من الألعاب .
ولعل أكثرها ثباتًا في ذاكرتي مما تأثرنا فيه بما تقدمه المدرسة آنذاك من الأنشطة الثقافية تلك المحاولات المبكرة لنا نحن الصغار للتأليف المسرحي وتنظيم المهرجانات الصغيرة وفقًا للإمكانات المتاحة للصغار في عمرنا في ظل الظروف الأسرية المتقاربة لأهل القرية ، كما مارسنا فيه التمثيل والإخراج المسرحي ، حيث يجتهد بعض الأصدقاء في التخطيط لإقامة مهرجان يدعى له باقي الأقران في القرية ويحدد له موعد ثابت يبلغ الجميع به بالدعوات المباشرة وغالبًا ما يكون ذلك خلال الإجازة أو العطلة الصيفية وتوزع المهام بين المنظمين فمنهم من يقوم بالتأليف لمقاطع مسرحية صغيرة ومنهم من يمارس دور التمثيل ومنهم من يعد الجوائز الرمزية للمتنافسين وغالبًا ما تكون من الحلويات والبسكويت وبعض الألعاب البسيطة التي لا تكلف مبالغ لا يملكها الصغار آنذاك ، ومنهم من يعد برنامج المهرجان من المسابقات والألعاب الجماعية كالجري وكرة القدم ونحوها ، وأذكر أنني شاركت في تلك الفترة مع أكثر من فريق لتنظيم تلك المهرجانات تارة في التأليف وأخرى في التمثيل وأخرى في التنظيم وأخرى في الإخراج المسرحي وكثيرا ما جمعت بين كل المهام في المهرجان الواحد .
وقد اخترنا لإقامة تلك المهرجانات مواقع تمتاز بتدرجها بما يتيح تنفيذ الألعاب والفقرات المختلفة وخاصة المسرحية وبما يتيح المشاهدة للمشاركين في المهرجان والحضور وقد يكون بين الحضور بعض الكبار ، ومن تلك المواقع جنبى إبن شهوان في جبل أبو حميد المطلة على وادي ربية – وجنبى بضم الجيم والنون وفتح الباء جمع تكسير لجناب وهو قطعة الأرض الممتدة فوق قطعة الأرض الزراعية الأكبر وغالبًا ما تشكل المدرجات الجبلية التي تمتاز بها منطقة الحجاز في الباحة والمناطق الجنوبية في شبه الجزيرة العربية ، وأذكر أنني في تلك المرحلة من عمري بدأت أنظم الشعر الشعبي وأمارس الخطابة والتقديم للمهرجانات التي نفذناها لأكثر من عام ، وقد أقمنا مهرجانات أيضًا في شعب الفقهاء وفي شعب عرابة .
 ولعل تلك الفترة هي التي جذبتني وهيأتني فيما بعد لممارسة الكتابة حيث استمريت في ممارسة التأليف المسرحي حتى في المرحلتين المتوسطة والثانوية وقد اعتمد لي أكثر من نص مسرحي تم تمثيله في المعهد العلمي بالطائف ، وفي المرحلة الجامعية كنت شغوفًا بالأدب والبحث والكتابة والشعر إلى أن تطورت تلك المهارة في مجالات البحث العلمي وتأليف الكتب وقرض الشعر بأنواعه في المراحل التالية من عمري .
 وإنني لأنظر إلى الأطفال المعاصرين وقد استنزفت أوقاتهم ألعاب الفيديو والكمبيوتر والحاسبات الإليكترونية والآيباد والهواتف المحمولة فأشفق عليهم مما ينالهم من مضارها الثابتة علميًا وعقليًا وأنظر إلى جيلي الذي انتفع بمهارات طفولته في كبره ، نعم الحياة في تطور مستمر وقد تكون هذه الأيام ذكريات لأطفالنا في المستقبل يقارنونها بما يحدث في المستقبل من تطورات تتغير بها أنشطتهم فيشفقون شفقتنا على الصغار في الأجيال القادمة ، لكني أؤكد بأن ما مر به جيلي كان معلمًا ومربيًا في ذات الوقت وكان تدريبًا لنا على الكثير من المهارات القيادية والعملية والمهارات الاجتماعية والحياتية ، وقد تعلمنا منها الكثير من الشمائل الكريمة والأخلاق النبيلة ، حتى تلك الألعاب الجماعية التي كنا نمارسها كانت تؤلف بين قلوبنا وتجمعنا على الخير والحب والاحترام وتسعدنا أكثر مما يسعد به الصغار في هذا الجيل المعاصر .
 وإن ذاكرتي المتواضعة لتزدحم بأسماء المواقع والأراضي الزراعية والآبار والطرق والخلجان والأدوات الزراعية والمنزلية والجبال والأودية والشعاب ونحوها مما يمكن فيه تأليف أكثر من مؤلف ، ولا أرى أن الجيل المعاصر يستوعبها لانصرافه عنها إلى ما يشغله في وسائل الترفيه والتواصل الاجتماعي المعاصرة ، وقد يأتي الزمن الذي لا يعرف فيه أولادنا وأحفادنا تلك المسميات ، فالكثيرون منهم عاشوا مع أسرهم في المدن بعيدًا عن القرية وإن قدموا إليها في إجازات الصيف فإن آباءهم لا يهتمون بتعريفهم بها وستندثر تلك الأسماء تدريجيًا ، ونلاحظ نحن الكبار تفلتها من بعضنا نتيجة البعد وقلة الاستخدام .
 وقد اجتهد أكثر من مؤلف في منطقة الباحة بتدوين بعض تلك الأسماء مع تفسير معانيها لكنها تبدوا من الغرابة لدى القراء المعاصرين ما يثير تساؤلاتهم عن جدواها ، هكذا التغير الزمني بإرادة الله تعالى يقود إلى تغير العادات والتقاليد والأعراف ونسلِّم بأن ما كان بالأمس ضروريًا قد يكون اليوم غير ذلك ، والله يعلم بماذا سيميز به غدنا ومستقبل الأجيال القادمة ، ولعل ما بقي في ذاكرتي ينشِّط ما بقي في ذاكرة القراء والمتابعين من جيلي لتذكر بعض تلك الأسماء والمواقع والنشاطات التي كنا نملأ بها أوقات فراغنا وإن قل ،، والله الموفق والمستعان.،،،

السبت، 17 أكتوبر 2015

وقفات من حياتي قبل أن تمحى من ذاكرتي ، الوقفة (7)


الوقفة (7) : المركز الثاني والجائزة قلم باركر

فيما بين العامين الهجريين 1391-1392هـ بينما كنت في الصفين الخامس والسادس الابتدائي كانت المدارس الابتدائية التابعة لمكتب الإشراف على التعليم ببني محمد في قريش بمحافظة القرى اليوم تتنافس على مجموعة من الأنشطة المدرسية الرياضية والفنية والثقافية ، وأذكر فيما احتفظت به ذاكرتي عن تلك الحقبة بأنني كنت من الطلاب المشاركين في جميع الأنشطة المدرسية المتاحة آنذاك في التربية الفنية من خلال الرسم والتشكيل وإعداد النماذج ، وفي الرياضة المتمثلة في كرة القدم وكنت واحدًا من أفراد منتخب المدرسة ، وفي الأنشطة المسرحية أيضًا وكنت واحدًا من فرقة المسرح بالمدرسة ، وكانت إدارة مدرستنا الابتدائية تحرص كثيرًا على المشاركة في المسابقات السنوية التي اختير مكان التنافس عليها بمدرسة الأطاولة الابتدائية لتوافر المقومات اللازمة آنذاك وفق مرئيات لجنة التحكيم لهذه المنافسات .
ففي عام 1392هـ جهزت قطعة الأرض التي كان نادي زهران الرياضي وأبناء الأطاولة الكبار يستخدمونها ملعبًا لكرة القدم لإقامة المهرجان الرياضي السنوي لمنافسات المدارس الرياضية ، وكان في طرف قطعة الأرض – الركيب – بئر غطيت بشبكة حديدية وأخرى من نوع شبكة كرة الطائرة أو الشبكة التي تستخدم خلف مرمى كرة القدم ، وجيء بمكبرات الصوت اليدوية التي كانت تعمل بالبطاريات وتأخذ شكل مكبرات الصوت التي توضع على المساجد يحملها المقدم والمعلق الرياضي ، وشغلت الأذاعة المتنقلة التي تعمل على الكهرباء حيث وفر المنظمون مولدًا للكهرباء إلى جوار مكان المهرجان وشغل المسجل قريبًا من مكرفونات الإذاعة ليصدح بأغنيات محمد عبده  وبعض أغاني طارق عبدالحكيم وطلال مداح المشهورة آنذاك ، ولا أذكر للأسف من تلك الأغاني شيئًا لكن ذلك ما كان يحدث بالفعل
 وجاءت الفرق المشاركة لأداء العرض للمهرجان وكنت واحدًا من المشاركين في ذلك العرض بعد أن قمنا بتدريبات قبلية لمدة يومين أو ثلاثة تقريبًا قبل المهرجان ، ويشاء الله تعالى أن تضيع جزمتي الرياضية البيضاء قبل بدء المهرجان بدقائق مما أفزعني من عقاب المعلم وإدارة المدرسة والحمد لله أن المعلم كان معه في حقيبته جزم جديدة أخرى أختار لي منها الأقرب إلى مقاسي ولبستها دون أن أعطي ملحوظاتي عليها خوفًا ورهبًا ، لبستها وهي ضيقة جدًا تكاد أن تعصر أصابع أرجلي داخلها بدون شراب حيث قد ضاع الشراب مع الجزمة الضائعة ، ونزلت مع فريق مدرستي للعرض ، وما كاد أن ينتهي العرض إلا وعيناي تكاد تفيض دمعًا من ضغط الجزمة على أقدامي ، وجاءت المشكلة الكبرى كما كنت أتصورها ، المباراة الأولى بعد العرض بين مدرسة الحكمان الابتدائية ومدرسة المثيلة الابتدائية مما يعني ضرورة استمرار صبري على تلك الجزمة الضيقة طيلة المباراة وقد كان مركزي في اللعب قلب هجوم لقدرتي على تسديد تمريرات الزملاء على المرمى آنذاك ، فهمست لمعلم التربية الرياضية مدرب فريقنا متسائلا : هل يمكن أن ألعب يا أستاذ حافيًا بدون جزمة ؟ ، لا أستطع تحمل ضيق هذه الجزمة ، فرد علي ناهرًا : لا طبعًا هذا شرط في المسابقات ، قلت له ولكن الملعب ترابي ، والأحسن لي أن ألعب حافيًا ، قال : قلت لك لا ، سأبحث لك عن جزمة أخرى ، أخلع هذه مشيرًا إلى الجزمة الضيقة التي أرهقتني ، فخلعتها مسرعًا ، وبين أنا كذلك إذا بأحد طلاب مدرستنا يحمل جزمتي الأولى وشرابي يقدمها إلى مدربنا المعلم قائلا : لقيتها في السند – والسند هو الجزء المجاور للبناء الفاصل بين قطع الأراضي والتي تعلوها – رأيتها فصرخت هذه حقتي – بمعنى ملكي أي جزمتي – قال المعلم : الحمد لله لقيناها أخيرًا ألبسها يابطل وأريدك بها أن تسجل ثلاثة أهداف .
وأسرعت بلبس جزمتي العائدة بعد فقدان كما اسرعت في الاصطفاف مع فريقي لتحية الجمهور الذي انتشر في الجبل وعلى العرق المحيطة بالملعب من الجهتين الشمالية والجنوبية – والعرق بضم العين وضم الراء جمع تكسير لعراق والعراق هو البناء الفاصل بين قطع الأراضي الزراعية والتي تعلوها – وانتظرنا الفريق الآخر مدة وجيزة لينزل إلى أرض الملعب ولم ينزل فاعتبر منسحبًا ، وأشاروا علينا بالخروج من الملعب لفوزنا بانسحاب الفريق الآخر ، ولم تستمر فرحتنا كثيرًا بفوزنا فقد هزمنا بعدها من مدرسة الأطاولة ثم من مدرسة القسمة ، لكننا حققنا فوزًا مثاليًا في المهرجان الفني والذي أقيم في مدرسة الأطاولة الابتدائية حيث فازت مدرستنا بالمركز الثاني بلوحات الرسم التي كانت واحدة منها تحمل اسمي وبنموذج للحرم المكي الشريف كنت واحدًا ممن شارك في إنجازه .
 وفي المسرح حيث كنت واحدًا من فريق المسرح لمدرستي فزنا بالمركز الثاني كذلك، حيث نصب مسرح التنافس أمام مدرسة الأطاولة وحضر المنافسات الأخيرة في التصفيات مدير التعليم آنذاك في الباحة الأستاذ فهد بن جابر الحارثي ، وقدمت مدرستنا تمثيلية عن فلسطين وكنت أقوم بدور الطفل الفلسطيني الذي فقد والديه في رحلة النزوح مما دفعه إلى حمل السلاح مبكرًا لمحاربة اليهود ، وكانت بندقيتي قطعة خشبية منحوته على هيئة بندقية وصفق الجمهور كثيرًا لحسن أدائي للمشهد .
 وفي ختام عرض المسرحيات جاء وقت توزيع الكؤوس والدروع والجوائز للمدارس والطلاب المشاركين ، حصلت مدرسة الحكمان الابتدائية يومها على دروع المركز الثاني في النشاط الفني والمسرحي بينما أعلن اسمي ضمن أسماء الطلاب الفائزين بالجوائز التي يقدمها مدير التعليم للطلاب الفائزين ، تقدمت إلى المنصة التي يقف خلفها مدير التعليم فقدم لي بعد أن صافحني علبة مغلقة ، فأخذتها ونزلت تاركًا المنصة لصعود طالب فائز آخر عليها ، اتجهت إلى المعلم المشرف وكان بانتظاري إلى جواره أخي الأكبر حيث رافقني خلال ذلك اليوم كله ، وأخذ العلبة وفتحها مستبشرًا قائلاً مبروك مبروك قلم باركر ، وقد كان القلم الباركر آنذاك تحفة الهدايا المقدمة للفائزين ، الملفت للانتباه أن هذا القلم استمر معي حتى عملت مدرسًا بعد التخرج من الجامعة وفقدته بعد ذلك أثناء تنقلاتي من شقة مستأجرة إلى أخرى ، وهو قلم يعبأ بالحبر المسال عن طريق أنبوب شفاط بداخله وله ريشة مثالية وخطه يندر أن تجد مثله في غيره على الرغم من ظهور مجموعة من الماركات المصنوعة بعد ذلك لكنه يظل القلم الأبرز من وجهة نظري ، ويكفي أنه كان الجائزة الأولى التي حصلت عليها بتوفيق الله تعالى نظير جهد وتميز أظهرته في منافسات عامة ، ويكفي أنه استمر يذكرني بلحظات التميز التي مررت بها في صغري وتقدير المشرفين والمعلمين وإدارة التعليم آنذاك.

 لقد كانت تلك الأيام بما تحمله من مواقف وأحداث مدرسة أخرى تعلمنا فيها وتعلمنا منها التنافس الشريف والغيرة على قريتنا ومدرستنا والعمل الجماعي والسمع والطاعة للمعلمين والمشرفين الحريصين على التربية الصالحة للنشء ، واحترام الآخرين وتقدير المسؤولية ، ولعلي في وقفات أخرى مما تبقى في ذاكرتي أذكر أثر هذه المنافسات على نشاطاتنا نحن الصغار داخل قريتنا خارج وقت الدراسة ،، والله الموفق والمستعان .،،،

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

وقفات من حياتي قبل أن تمحى من ذاكرتي ، الوقفة (6)


الوقفة (6): أهالي القرية إطفائيون متطوعون

تلتصق منازل أهل القرية بعضها ببعض وتتجاور حيث تشترك بعضها في أخشاب أسقفها ولا يفصل بين بعضها سوى (الرصان) بضم الراء وتشديد الصاد، فواصل من الخشب المغطى بالطين من الجهتين والرصان جمع تكسير للرص وهو مرصوص الأخشاب الواقفة من الأرضية حتى السقف المشدودة إلى بعضها البعض والمكسوة بالطين وتفصل بين البيوت ، وهندسة البيوت والمنازل القديمة في القرى تكاد تتماثل بتألفها من الطابق الأسفل وتسمى السافلة أو السفل ، وفيه تخزن الأعلاف والتبن والحطب المجموع طيلة العام وتربط فيه المواشي ، وفي بعض البيوت يخصص ركن منه للمشب ، وهو المكان الذي يعد فيه الخبز في تنور أو على الأرض مباشرة ، والطابق الثاني في البيوت القديمة يتألف من المجلس والمطبخ وزاوية النوم لأفراد الأسرة ويتوسطه (الملة) بتشديد اللام وتعني المشب الخاص بالتدفئة والطبخ ، حيث يستخدم في الغالب الحطب لإعداد الطعام والتدفئة قبل أن يقتنى سكان القرى الطباخة بتشديد الباء وهي جهاز مصنوع من الزنك له حوض يملاء بالكيروسين الجاز وتشتعل فتائله المشبعة بالكيروسين لتخرج من أعلاها نار هادئة تستخدم في الطبخ أيضًا .
 وغالبية أثاثات المنازل تتكون من الحصير وفرش الصوف والحنابل وطراريح ومخدات محشوة بالرين أو بالتبن ونادرًا ما يحشى منها بالقطن وأغطية من البطانيات والجوادر جمع جودري قماش محشو داخله بالقطن غالبًا يستخدم مفرشًا كما يستخدم غطاء في وقت البرد حيث يضفي على مستخدميه الدفء ، كما أن مخازن الحبوب تكون في هذا الطابق من المنزل عند الغالبية حيث تخزن الحبوب في قفاف جمع قفة وعاء كبير مصنوع من سعف النخيل أو في أكياس وقد تخزن الحبوب عند البعض في العلية وهي الطابق الثالث الذي يضم غرفة النوم الرئيسة لرب الأسرة ومخزن الحبوب .
 وجميع محتويات البيوت القديمة قابلة للاشتعال والاحتراق بمجرد تماسها مع النار، وتفتقد البيوت إلى وسائل السلامة وأدوات إطفاء الحرائق، لذلك تحرص الأسر وربات البيوت على الحذر الشديد عند استخدام النار ، والمياه المتوافرة في المنازل لا تكفي لاستخدام أكثر من يومين للشرب والغسيل والوضوء والاغتسال ولا يعتد بها كوسيلة لإطفاء الحرائق عند اشتعالها ، ولا يوجد في القرى التابعة لمحافظة القرى خلال المدة التي قضيتها في المرحلة الابتدائية دوائر ومؤسسات أمنية حكومية عدا مركزًا للشرطة ومحكمة ومستوصف في بلدة الأطاولة ، ولا يتوافر فيها فرق للدفاع المدني ، فإذا ما اشتعلت حريق في حمى أو في منزل من منازل القرى فإن الأهالي ذكورهم وإناثهم صغيرهم وكبيرهم يفزعون إليها ويقومون بدور الإطفائيين بالتعاون والتكافل فيما بينهم .
كنت في الصف الثالث الابتدائي في العام الهجري 1387هـ تقريبًا عندما انطلقت نداءات الاستغاثة وطلب النجدة من قرية الزحاحيف أحد أحياء قرية الحكمان في جزئها الأسفل أو كما كنا نطلق عليه أسفل الوادي ، حيث شبت حريق في منزل أحد ساكنيها وما هي إلا دقائق وجيزة إلا وقد بلغ الخبر جميع أهالي القرية أسفلها وأعلاها وتسابق أهالي قريتي لنجدة المستغيثين تاركين أعمالهم مسرعين نحو الزحاحيف ، فالخطب جلل حيث أن منازل أهالي الزحاحيف متلاصقة ومشتركة في الأسقف حالها حال غالبية بيوت أهل القرية والقرى الأخرى ، وأقرب بئر يمكن جلب المياه منها تقع أسفل الوادي الذي تشرف عليه الزحاحيف من الغرب والمساوى من الشرق ويبعد المنزل المحترق عن البئر في الوادي ما يزيد عن الأربعمائة متر صعودًا حيث تتربع قرية الزحاحيف في أعلى الجبل الغربي من البئر .
 انطلقت مع المنطلقين لرؤية الحدث ومشاهدة الأهالي وهم يتعاونون على إطفاء الحريق ، كان مشهدًا مهيبًا لمثلي في ذلك العمر طابور من الرجال والنساء يحملون القرب المملؤة بالماء في الطريق من البئر في الوادي إلى موقع المنزل المحترق ، والسانية على البئر ترفع الماء وتسكبه في القف وهو الحوض الذي يصب فيه الغرب في أعلى البئر ، والغرب هو الدلو الكبير الذي تجره السانية ويستخرج به الماء من البئر ، وهناك فوق سطح المنزل المجاور للمنزل المحترق رجال يحملون الفؤوس والمساحي والعتلات يعملون جاهدين على عزل المنزل المحترق عن المنازل المجاورة، ويحفرون طين السقف ويقطعون أخشاب السقوف المشركة ويطفئون بما توافر من المياه النار القريبة منهم ،، والقادمون الجدد من أهالي القرية يسألون عن سلامة أهل البيت ومواشيهم فيأتي الرد من الجميع الحمد لله الجميع سالمين والخسائر في الماديات فقط والعمل مستمر لإنقاذ المنازل المجاورة من تمدد الحريق .
 كنت صغيرًا لكنني أذكر أنني كنت ومن في عمري نساعد وفق توجيه الكبار لنا بنقل التراب والحجارة الصغيرة والأخشاب غير المحترقة كل وفق طاقته وقدرته لكننا كنا مع الجماعة نتعاون كما يتعاونون ، ونشاهد تلك المهارات العالية لدى الغالبية في السيطرة على الحريق وضمان سلامة المنازل القريبة بعد أن أخليت من أهلها والمواشي التي في سوافلها .
 نعم لقد نجح الإطفائيون المتطوعون في حصر أضرار الحريق ومحاصرة تمددها وإن كانت قد أتت على مخزون أهل البيت من الأعلاف والحطب وبعض أكياس الحبوب ، لكنهم في أعين أهالي قريتهم حيث بدأت بعد إخماد الحريق مرحلة التطوع لإعادة إعمار البيت المحترق وتعويض أهله ما خسروه في الحريق من أعلاف ومؤن وحبوب ، وقد شهدت إعادة الإعمار التي لم تتأخر وقتًا كثيرًا ، وتعاون أهل القرية في تنفيذها والتطوع بمتطلباتها .
 هكذا كان أهالي قريتي قرية الحكمان ، تعلمنا منهم الفزعة والنجدة والتضحية والتعاون على البر والتقوى والتسابق في نجدة المستغيث والملهوف ، كنا صغارًا لكننا كنا نستوعب الدروس المتلاحقة ونقلد الكبار في تصرفاتهم البطولية وشمائلهم الإسلامية ، نحترم الجميع ولا ننادي الكبار بأسمائهم مجردة بل نقول للذكر يا عم فلان وللأنثى يا عمة فلانة وإن لم يكونوا من الأعمام والعمات في النسب .
كنا نقدر الجميع ونحترم الجميع ونطيع توجيهات الجميع لا فرق بين القريب والأبعد قرابة وغير القريب من أهالي القرية ويستوى في ذلك من منهم في الدار العليا أو في الدار السفلى ، كنا بحق نحب الجميع ويحبنا الجميع ، ونتبادل المنافع والمصالح والوجدان ،، كنا القرية المثالية كما كنا نعتقد وكذلك أهالي القرى الأخرى كانوا كذلك يرون قراهم مثالية .
 وكان الكبار من أهالي القرية يحبون أن يظهروا قريتهم بالمظهر اللائق بين القرى في المناسبات والأفراح وفي النجدة والحمية ، ولا ينتقصون من أهالي القرى الأخرى لأنهم يدركون أن مشاعرهم متماثلة ، تلك هي البيئة التربوية التي نشأت فيها وإني لأظنها أبلغ تأثيرًا وأثرًا من جميع أساليب التربية المعاصرة ،، والله الموفق والمستعان .،،،

الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

وقفات من حياتي قبل أن تمحى من ذاكرتي ، الوقفة (5)


الوقفة (5) : في سوق الربوع لأول مرة

كانت قرية الحكمان حيث ولدت وترعرت من بين قرى زهران في ما يسمى اليوم بمحافظة القرى في منطقة الباحة التي كانت تحوي سوقًا أسبوعيًا قبل أن يتوقف عمله ويصبح أطلال سوق تظهر في جنباته جنوب الدار بقايا قواعد سقائف تحيط به من جهته الغربية وبقيت ساحته بمسمى ساحة السوق وهكذا عرفت واستمرت حتى اليوم ، ويقال أنه كان سوقًا رائجًا ونشيطًا يقام كل يوم سبت قبل أن ينطوى تاريخه ويشتهر سوق السبت في قرية المندق – مدينة المندق اليوم مركز محافظة المندق بمنطقة الباحة .
وقف قلاب العم خاطر بن علي صبيحة يوم الأربعاء في طرف ساحة السوق في القرية في انتظار نقل الراغبين في الهبوط إلى سوق الربوع بالأطاولة – والقلاب سيارة فورد يملكها ابن القرية العم أبو علي خاطر بن علي بن سعيد يستخدم لنقل الحجارة والرمل ونحوها بالإعارة والأجرة وهو السيارة الوحيدة المتوافرة للنقل آنذاك في القرية رغم وجود بعض السيارات التاكسي المملوكة لبعض سكان القرية لكنها في سفر دائم قليلا ما يأوب بها ملاكها إلى القرية – انطلقت مع أخي الأكبر إلى حيث يقف القلاب في طرف ساحة السوق بالقرية واستقليناه مع الهباط – مصطلح ينعت به الراغبين في النزول إلى سوق الربوع أي الأربعاء في بلدة الأطاولة – وركبنا في حوض القلاب إلى جوار الكثيرين من أهالي القرية قد أكون أصغرهم آنذاك والغالبية منهم من الكبار الراغبين في جلب المشتريات من احتياجات الأسر من السوق .
 سار بنا القلاب في طريق جبلي غير ممهد مارًا بشطر القرية الأسفل ما نطلق عليه الوادي وحمل من الراغبين منهم ما زاد الزحام في حوض القلاب ، واستمر في السير في الطريق الوعرة إلى أن وصل إلى طرف سوق الربوع الذي ما أن رأيته عجبت لتزاحم الناس فيه القادمين إليه من القرى المجاورة والبعيدة ، وشد انتباهي في السوق سعته بمقاييس عيني آنذاك واصطفاف البائعين على جنباته وكانت السقائف تمثل مركز السوق رغم امتداده في الجهة الشمالية منه بين الدكاكين المرتصة في جنباته وقهوة بريق التي كانت تتوسط السوق .
بدأت رحلة التجول في السوق بالتوصيات من أخي ألا أدع يده خوفًا علي من الضياع في السوق ، وأعطاني علامات أتعرف بها على مكان موقف القلاب الذي سيأوب بنا إلى القرية بعد انقضاء السوق ، سرنا بين تزاحم المتسوقين وبين السقائف التي كان يشغلها الباعة وخاصة باعة الأقمشة والبخور والحبوب ونحوها واتجهنا إلى الجهة الشمالية من السوق حيث ترتص بعض الدكاكين ويقع فيها مدخل الفرن ومدخل القهوة وقف أخي على باب أحد الدكاكين وأظنه دكان أبو سته واشترى علبة جبنة من النوع الصغير الحجم وتوجهنا إلى الفرن لشراء التميس فاشترى أخي تميسة واحدة وحملها على كفه حيث صعدنا إلى الدور العلوي الذي تشغله قهوة بريق وترتص فيه الكراسي الخشبية المرتفعة المنسوجة من السلب أو ليف النخيل المفتول وتتوسطها طاولة خشبية مرتفعة توضع عليها طلبات الزبائن ، صاح أخي في عامل القهوة أبو أربعة ياعم ومفك علب ، وآخر يصرخ من مكان آخر أبو ثمانية ياعم ، وعامل القهوة يكرر طلبات الزبائن صارخًا ، عندك واحد أبو أربعة ، وعندك واحد أبو ثمانية ، وهكذا تسمع مناقشات الزبائن وحواراتهم داخل القهوة وصراخ عامل القهوة مكررًا طلبات الزبائن بشكل متداخل يملاء جنبات القهوة جلبة وضوضاء .
أفطرنا ذلك اليوم تميس مع الجبنة والشاهي ، ولأول مرة أرى براد الشاهي المصنوع من الخزف ، وأخي يوصيني بين الوهلة والأخرى بأن أرشد في شرب الشاهي ليكفي فطورنا فالبراد أبو أربعة أي أربعة فناجيل صغيرة من نوع عقال فيصل ، أو من نوع ساق سلوى ، أو من نوع باعشن ، أتممنا فطورنا وحمدنا الله على نعمه ونزلنا إلى السوق ، كان الوقت صيفًا وموسم تسويق التمور ، اصطفت سيارات الفورد التي تحمل عذوق البلح المجلوبة من تربة والآخرى المجلوبة من بيشة ، والباعة يحرجون على بيع العذوق ، ليس غريبًا علي رؤية البلح والتمر لكن الغريب رؤية ذلك الكم المعروض في السوق والناس حوله .
وسار بي أخي ليطلعني على سوق بيع المواشي في الجهة الغربية من السوق حيث تباع الأغنام والأبقار ويباع أيضًا إلى جوارها الدجاج البري والبيض وبعض أنواع الطيور المتوافرة في بيئة القرى حيث لم يعرف آنذاك الدجاج الداجن أو دجاج المزارع ، وبعد مشاهدة المزايدات على المواشي وتقليبها من الزبائن لمعرفة أعمارها ومستوى سمنتها ، عرجنا على دكان ابن مسمار الواقع في الجهة الجنوبية من السوق حيث اشترى لي أخي قزازة كندادراي بأربعة قروش كانت القروش الأولى من جائزة نجاحي التي اشتري بها شيئا خاصًا بي ، طلب أخي أن اعتني بالزجاجة ولا أكسرها فعلينا بعد الفراغ منها أن نعيدها إلى البائع فارغة ونرتد قيمة تأمينها قرشان دفعها أخي حينذاك ، وجلست إلى جوار الدكان استمتع بشرب ذلك المشروب اللذيذ والجديد على فمي ، استحسنتها وأضمرت أن أشتري أخرى متى ما ضمئت ، حيث أنني لم أكد أتمها حتى أحسست بالتخمة لما فيها من غازات .
عاد إلى أخي بعد أن تجول مع بعض رفقته في السوق وقد فرغت من شرب الكندادراي، فأخذني إلى حيث تباع الألعاب لدى بعض الباعة ، كنت تواقًا إلى شراء علب شختك بختك ففي داخلها قد تجد لعبًا مع الحلوى ، اشترى لي أخي منها بأربعة قروش وسار بي بين المتسوقين والباعة في السوق وبينما نحن كذلك إذا ثلاثة أو أربعة رجال يصرخون من فوق السقائف بالتهليل والتكبير ، وهي طريقة اعتادها الدعاة قبل البدء في الخطبة على الأشهاد في السوق ، بينهم رجل كثيف اللحية هو من قام بالخطبة وتوجيه وإرشاد الباعة والمتسوقين أذكر أن ما شدني فيه آنذاك جرأته وخطابته وارتجاله الخطبة على غير ما عهدناه في خطبة الجمعة في قريتنا ، لم أفهم كثيرًا مما كان قد قال لكنني بهرت بالأسلوب والطريقة ، والناس في السوق بين مستمع ومنشغل ، وهو مستمر في خطبته وكأن جميع من حوله في السوق مستمعين .
حملت مع أخي ما اشتراه من البلح وبعض الفواكه وما أوصته أمي رحمها الله تعالى بشرائه من السوق واتجهنا إلى قلاب العم خاطر ولا تزال الكندا دراي تشغل تفكيري ، لم أفلح في شراء أخرى فقد حان موعد الصدور أو العودة من السوق وأطلق العم خاطر بن علي البوري أي منبه السيارة إعلامًا للجماعة المتسوقين بالعودة إلى قريتنا ، فما لبثنا طويلا حتى تجمع من كان قد ركب معنا صباحا هابطا في حوض القلاب للعودة إلى القرية ، كانت رحلة العودة أشق من رحلة الذهاب في نظري ، لكنني خلال الطريق ما انفكيت أتذكر تلك المشاهد في سوق الربوع والتي شاهدتها لأول مرة في حياتي .

وقد تكرر هبوطي أو نزولي إلى سوق الربوع بعد ذلك لكن تلك المرة الأولى التي بقيت مشاهدها عالقة في ذاكرتي حتى اللحظة ، لقد كانت الحياة بسيطة وهادئة وكان التعاون بين الناس ميزة ظاهرة ، وكان التسوق بالدين أي بالأجل أكثر منه بالمدفوع في حينه، وكان الناس يصبرون على بعضهم البعض ويعذرون المحتاج والفقير والمعذور ، ويقايضون السلع بالسلع الأخرى إضافة إلى التبادل النقدي ، وجميع من في السوق إلا ما ندر يتعارفون حتى الذين يأتون من ديار بعيدة مثل تربة أو بيشة ونحوها من الديار للتسويق لبضائعهم ، وتلفت انتباه المرتادين الأسواق آنذاك التحايا والقبل المتبادلة بين المتسوقين والسؤال عن الأحوال والأخبار ، كأنما السوق لأسرة واحدة ، لقد عشت تلك الحقبة الزمنية التي ربت فينا الكثير من مكارم الأخلاق ، فسقى الله تلك الديار ومثل تلك الأيام التي ما أن نذكرها حتى يحن جيلي إلى مثلها ، ونتمنى أن يعيش أولادنا مثلها لتصقل فيهم البر والتقوى وتزيد فيهم شمائل الإيمان والإحسان والتعاون والتكافل والإخلاص ، والله الموفق والمستعان .،،،

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

وقفات من حياتي قبل أن تمحى من ذاكرتي ، الوقفة (4)


الوقفة (4): المستمع الصغير ناجح وترتيبه الأول

بعد أقل من شهر في الفصل المفروش بالحصير وبعد انتهاء إجراءات استلام وتسليم المبنى الجديد لمدرسة الحكمان الابتدائية قررت إدارة المدرسة الانتقال إلى المبنى الجديد المتكون من ستة غرف دراسية غرفة لكل صف دراسي إضافة إلى غرفة لإدارة المدرسة وأخرى للمعلمين وغرفة للتربية الفنية ودورات مياه للمعلمين وأخرى للطلاب أذكر أنها بقيت مغلقة طيلة بقائي في المدرسة حتى تخرجت فيها من الصف السادس، وكنا نستخدم بدلا عنها الخلاء شرقي المدرسة ، وغرفة المقصف وهي عبارة عن غرفة مستودع تقع في الجهة الغربية من المدرسة إلى جوار دورات المياه للطلاب المغلقة ، والفصول جهزت بمقاعد خشبية متصلة مع المقاعد المزدوجة للطلاب والطاولات لها أدراج علوية تمثل الطاولة المائلة في اتجاه مقعد الطالب غطاء لدرجها ، ويجلس على الطاولة المتصلة طالبان وقد يجلس ثلاثة عند ضم الفصول لبعضها لغياب معلم أو لطاريء تقرره إدارة المدرسة.
 وفي فناء المدرسة في الجهة الجنوبية يوجد خزان الماء الذي يستخدمه المعلمون والطلاب على السواء لدلاء الماء بهدف الوضوء قبل أداء صلاة الظهر جماعة في ممر المدرسة الممتد على طول الفصول الدراسية والبالغ عرضة مترين تقريبًا ، ولكل طالب وعاء من علب الصفيح المستخدمة لتعليب الدهون من ماركة أبو شوكتين ، منها الربيع ومنها النصيف التي تستوعب من المياه لترين أو أربع لترات وفقًا لأحجامها ، وكان لي علبة من حجم الربيع علامتها خيط أسود ربطته في خرم بأعلاها ويتدلى من الخيط غطاء علبة صلصة مطوي على نفسه ليمثل نصف دائرة بعد الطي ، وكان الطلاب الأكبر سنًا في الصفوف العليا هم من يقومون بالدلاء وتعبيئة علب الوضوء للمعلمين وللطلاب الآخرين.
دخلنا المدرسة الجديدة وبعض العمال لا يزالون يعملون في تثبيت الزجاج على الشبابيك الحديدية بمادة لينة تفوح منها رائحة البنزين أو الكيروسين أو ما شابهها وما تلبث هذه المادة اللينة أن تصبح مادة صلبة مثل الأسمنت بعد فترة وجيزة من تثبيتها في أطراف الزجاج ليلتصق بالحديد ، وأذكر أننا كنا نلتقط الساقط من هذه المادة من العمال أثناء عملهم ونجمعها ونشكيل منها بعض الأشكال التي ما تلبث أن تتجمد وتتصلب فتصبح كالأحجار محافظة على التشكيل الذي شكلناها أياه ، وهي تماثل الصلصال الذي كانت المدرسة توفره للطلاب في غرف التربية الفنية مع اختلاف الشكل والرائحة واللون .
انتظمنا في فصولنا الدراسية وكنا في الصف الأول أكثر من عشرة طلاب بينما كان فصلنا يستوعب أكثر من عشرين طالبًا حيث صفت المقاعد الخشبية المزدوجة بأربعة صفوف متتالية وفي ثلاثة صفوف متجاورة يفصل بينها ممر للطلاب ومعلم الصف ، وما شد انتباهي في المدرسة هو بناؤها من الخرسانة على خلاف ما بنيت عليه منازلنا آنذاك والتي كانت جميعها مبنية من الحجر والمسقوفة بالأخشاب والطين والمليسة من الداخل بالطين المخلوط بالتبن ومخلفات البقر والملونة بالشيدة _ تراب ملون يستخرج من الجبال منه الأبيض ومنه الأحمر ومنه الأصفر _ وتصبغ به الجدران ويقال له التشييد ، وقد يتفنن بعض أهالي القرية عند تشييد منازلهم في رسم بعض النقوش بألوان الشيدة المتوافرة ، وأذكر أننا كنا وأخوتي ممن يفعل ذلك في بيتنا القديم ، وكان في القرية القليل من البيوت المليسة من الداخل والخارج بالأسمنت وكان بيتنا الجديد من هذه المنازل المليسة والمرخمة _ المدهونة باللون الأبيض من الجص والمسمى في ذلك الوقت بالرخام – لكن جميع المنازل والبيوت مبنية من الحجر ومسقوفة كما ذكرت بالخشب والطين ، والقليل أيضًا من الأهالي من يطبطب البيوت والرعوش – أي يكسو أرضيات المنازل والمساحات التي تعلو الأبواب أو الشرفات بالأسمنت – وبقي مبنى المدرسة الخرساني متفردًا في القرية ببنائه وهندسته العمرانية مايزيد عن العامين أو الثلاثة حيث انطلقت البناءات في القرية للمنازل الجديدة باستخدام الخرسانة والطوب ونحوها من المواد الحديثة آنذاك في البناء والتعمير .
سارت أيام العام الدراسي الأول ولا أتذكر الكثير عن التعليم وأساليبه آنذاك ما أذكره جيدًا في نهاية العام الدراسي عندما وزعت إدارة المدرسة الشهادات للطلاب ، وتسلمت شهادتي وفيها نتيجة الطالب الصغير المستمع ناجح وترتيبه الأول ، وبعض زملائنا الطلاب كانت الدوائر الحمراء على درجاتهم في المواد تميز إكمالهم أو رسوبهم فيها ، انطلقت مسرعًا إلى أمي رحمها الله تعالى وكانت لا تجيد القراءة والكتابة ولكنها تميز الدوائر الحمراء الموضوعة على درجات المكملين والراسبين ، كادت أن تطير أمي فرحًا بنجاحي ولم تدرك أنني حصلت على الترتيب الأول بل أدرك ذلك أخوتي وأبي وأشعروها بذلك فأهدتني هديتها واحتفلت بي وبنجاحي ، أما والدي فقد زار المدرسة ومعه شهادتي للسؤال عن وضعي والتحقق من وعد مدير المدرسة رحمه الله تعالى ، فجاء أبي بالبشرى ، مدير المدرسة يقرر نقل الطالب المستمع الصغير إلى الصف الثاني الابتدائي ، ويوصي بتكثيف متابعته لينجح في الصفوف التالية.
نعم انتقلت إلى الصف الثاني الابتدائي وأنا في عمر الست سنوات تقريبًا ، كنت صغيرًا لكنني كنت كما كان يقول أبي عني عقلي يسبق عمري ، والحمد لله رب العالمين المتفضل على خلقه بما شاء ، وكافأني أبي بريالين وكان للريال قيمة كبيرة في ذلك الوقت حيث يمكننا به الذهاب إلى السوق وشراء التميس بأربعة قروش من مخبز بريق في سوق الربوع بالأطاولة وشراء الحلوى بقرشين أو بأربعة قروش من دكان أبو سته أو من دكان ابن مسمار وشراء مشروب كندادراي المشروب المتوافر آنذاك في قوارير تعاد للبائع بعد الفراغ من شرب محتواها بأربعة قروش أيضًا وتشتري بباقي الريال ما يطرح في السوق من ألعاب وتسالي للصغار مثل شختك بختك وعلكة صاروخ ونحوها .
وأذكر أن أول يوم أهبط فيه مع أخي الأكبر إلى سوق الربوع -أي أذهب هبوطًا -كان بعد حصولي على المكافأة المحفزة من والدي أحسن الله خاتمته وأعماله وجزاه الجنة عما بذل لتربيتنا وتنشئتنا التنشئة الصالحة ، ولعلي في وقفات قادمة أصف فيها سوق الربوع وما أذكره مما شاهدته بين جنباته وسقائفه التاريخية الشهيرة ، وهناك بعض الذكريات التي لا تزال عالقة في ذاكرتي أيام الدراسة الابتدائية وسأضمن الوقفات القادمة بعضًا منها بإذن الله تعالى .
لقد كان العام الدراسي الأول متعة ونماء حقيقي لي ولزملائي لما كان يتمتع به معلم الصف وغالبية المعلمين في ذلك الجيل من الإخلاص في العمل والحرص على تعلم الطلاب رغم أنهم من خريجي معاهد المعلمين المتوسطة فرغم قلة إعدادهم ورغم قلة الإمكانات في المدارس وندرة وسائل التعليم والتعلم عدا ما يعدها المعلمون بأنفسهم ، لكنهم كانوا يملكون رغبة ملحة في تطوير كفايات الطلاب بما تيسر لهم من علم وكفاية وأدوات ، ندعوا الله أن يجزلهم أجرهم وأن يكافئهم بالجنة نظير إخلاصهم وتفانيهم وأن يلحقنا بهم من الصالحين والفالحين ،، والله الموفق والمستعان .،،،