السبت، 30 أبريل 2016

وقفات من حياتي قبل أن تمحى من ذاكرتي ، الوقفة (13)







الوقفة الثالثة عشرة : ماجدولين على رصيف الحراج
في الأعوام التي قضيتها في قريتي ودرست خلالها المرحلة الابتدائية لم يكن يتوافر لنا غير الكتب الدراسية مصادر للقراءة حيث لم يتوافر آنذاك مكتبات حكومية أو تجارية يمكننا من خلالها اقتناء ما نميل إلى قراءته ، ولذلك اتسمت تلك المرحلة بالركود القرائي عدا ما نطلع عليه في كتب المطالعة المقررة ، ورغم ما نشأ لدي ولدى البعض من جيلي من حب للاطلاع والقراءة فإن شح الوسائل كان يدفعنا إلى الاطلاع على الكتب المدرسية للأخوة الكبار وخاصة ما تضمن منها بعضًا من القصص القصيرة مثل كتب المطالعة والقواعد ونحوها ، ولم تسجل ذاكرتي بأنني اطلعت على روايات أو قصص في مطبوعات غير الكتب المقررة للمدارس . وعندما انتقلت إلى مدينة الطائف بدت لي بعض المكتبات الشهيرة مثل كنز فقدته من سنوات ، حيث كانت مكتبة المؤيد الشهيرة على مقربة من بيتنا في حارة الشرقية لكن الكتب المعروضة فيها غالبًا ما كانت كتبًا مرجعية تخصصية ومجلدات في علوم الشريعة المتنوعة وفي بعض العلوم الأخرى ، ونادرًا ما كانت تحتوي على كتب قصصية أو روائية ، ولم أذكر أنني مع تعدد مرات زيارتي لهذه المكتبة اقتنيت منها كتبًا خلال المرحلة المتوسطة بينما نشطت في عملية اقتناء الكتب المرجعية في المرحلة الثانوية . وفي المعهد العلمي حيث كنت أدرس كانت تتوافر مكتبة صغيرة لكنها كانت تحتوي على بعض الروايات والقصص وكنت من المداومين على الاستعارة منها بعض الكتب والقصص التي كانت تستهويني قراءتها في تلك المرحلة ، ولم أجد ما يشبع نهمي القرائي إلا فيما تحصلت عليه من بقايا قصص وكتب كانت تعرض في حراج الطائف للخردوات الواقع في باب الريع في الموقع الذي بني عليه جامع الملك فهد رحمه الله ، وقد كان أحد البائعين في الحراج آنذاك العم أبو أحمد اليماني وهو يمني الجنسية لا يمانع من جلوسي وغيري من الصبيان إلى جوار معروضاته من الكتب والصحف وبعض الأدوات المكتبية المستخدمة والاطلاع عليها وتصفحها حتى وإن لم نقتنيها عن طريق الشراء ، وكنت أواظب في الذهاب إلى بسطة أبي أحمد اليماني لإشباع رغبتي في القراءة والاطلاع ، وقد شدني في المجموعات القصصية التي كان يعرضها على الرصيف قصة ماجدولين وبعض مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وبعض قصص المغامرات البوليسية المترجمة والتي اشتريت منها مجموعة ليست بالقليلة . وقد تأثرت كثيرًا بالأساليب الأدبية التي تضمنتها قصة ماجدولين التي قام بتعريبها الأديب مصطفى المنفلوطي عن القصة الفرنسية تحت ظلال الزيزفون للكاتب ألفونس كارل ، وأذكر أنني حاولت مقلدًا الكتابة في مجال القصة والرواية من وقت مبكر من عمري خلال المرحلة المتوسطة لكنني لم استبق شيئًا مما كتبت من محاولات متواضعة، إلا أن تلك السنوات من عمري كانت المرحلة الفاعلة التي انطلقت فيها قارئًا ومتابعًا لكل المعروضات على رصيف الحراج في بسطة العم أبي أحمد اليماني ، وداومت فيها على ارتياد مكتبة المعهد العلمي واستعارة بعض الكتب الأدبية منها ، فتشكلت طوالع هويتي الثقافية التي أثرت على نشاطاتي في المعهد العلمي وخارجه آنذاك ، حيث كنت عضوًا نشطًا في الإذاعة المدرسية وفي فرقة المسرح حتى نجحت في تأليف بعض النصوص المسرحية لها ، وقد اختار منها مشرف نشاط المسرح نصًا شاركت في ثمثيله مع بعض الزملاء في المجموعة وتم عرض المسرحية في أحدى احتفالات المعهد المعتادة في نهاية العام الدراسي . وتلاها تجربة أخرى ناجحة في المرحلة الثانوية ، ومارست في تلك الفترة كتابة الشعر الشعبي والشعر المغنى تأثرًا بما كنت أسمع من أغاني شعبية لبعض الفنانين المشهورين آنذاك كالفنانين حجاب وطاهر الحساوي وطلال مداح وطارق عبدالحكيم ومحمد عبده وتوحة وحيدر فكري وابتسام لطفي وفوزي محسون وفتى الشرقية وسلامة العبدالله ونحوهم ، وأتممت أول ديوان شعري من تأليفي قبل أن أتمم المرحلة المتوسطة ولم يكتب لهذا الديوان البقاء ولم أعد أتذكر مما كتبته فيه شيئًا ، حيث فقدته مع بعض القصص التي اقتنيتها من الحراج في رحلة زيارة للحراج ذاته ، وكررت محاولاتي في تأليف القصص القصيرة والشعر الشعبي بعد ذلك خلال المرحلة الثانوية لكنها كانت محاولات تفتقد إلى الكثير من المعايير الأدبية التي تؤهلها للظهور أو النشر . وكانت أول قصيدة تنشر لي من الإذاعة العراقية من برنامج منكم وإليكم الذي كان يبث مابين الساعة الثالثة والرابعة من بعد ظهر كل يوم خميس في عام 1395هـ ، وقد تلقيت مئات الرسائل على عنواني الذي أذيع بعد إذاعة القصيدة ، وأذكر أن دكان الحبابي في شارع مزدلفة القريب من منزلنا كان العنوان الذي أرسلته مع القصيدة إلى الإذاعة وقرأه المذيع بعد قراءته القصيدة مصحوبة بمؤثرات موسيقية جاذبة ، وكانت ترد إلي على ذلك العنوان الكثير من رسائل المعجبين وطالبي الصداقة من الكثير من الدول العربية غالبيتهم من الفتيات أو من المدعين بأنهم كذلك وكانت ترد مع الرسائل الكثير من الصور الفوتوغرافية التي كونت منها ألبومًا كنت أفاخر به عند إطلاع بعض أصدقائي المقربين عليه ، وكان لا بد لي في تلك الفترة من التجاوب مع تلك الرسائل الواردة بالرد عليها ، وأذكر أنني كنت مخلصًا في الوفاء بالرد على جميع ما ورد إلي من رسائل . وقد تعلمت كثيرًا من تلك المرحلة التي شهدت انطلاقتي في مجال القراءة والاطلاع واقتناء الكتب الأدبية والروايات والقصص وتجربة الكتابة في مجالات الثقافة والأدب المتنوعة مثل كتابة القصة والمسرحية والقصيدة الشعبية والرسائل ونحوها ، كما أنني أصبحت بفضل الله تعالى بعد هذه المرحلة من محبي المكتبات والجلوس فيها للقراءة والاطلاع وخاصة المكتبات العامة والجامعية وظل هذا المسلك مستمرًا معي إلى ما بعد حصولي على الدكتوراه في التربية وتكليفي بأعمال قيادية عليا في وزارة التربية والتعليم شغلتني عن زيارة المكتبات والقراءة الثقافية والاطلاع على الكتب . وقد عدت إلى بعض هواياتي والحمد لله بعد تحرري من العمل وانطلاقي في فضاء الحرية الشخصية أثر تقاعدي المبكر ، والنصيحة التي أضمنها هذه الوقفة للجيل المعاصر والمستقبل هي الحرص على الاستفادة مما توافر من مصادر تعلم ميسرة عادية وإليكترونية تمكن من القراءة والاطلاع على مختلف الكتب والمؤلفات والبحوث والدراسات في شتى العلوم وميادين المعرفة ، فالقراءة من وجهة نظري المتواضعة هي مفتاح العلم وهي مجال التعلم المؤثر في تكوين الاتجاهات وتنمية القدرات الفكرية والأدبية والثقافية المتنوعة ،ومجتمع لا يقرأ أفراده يظل في العلم فقيرًا وفي الإبداع متأخرًا وفي التطور والنماء مقلاً ، وأدعو الله تعالى أن يوفق أولادنا إلى الإفادة مما تيسر لهم من وسائل التعليم والتعلم وأن يجعلهم من القارئين والباحثين عن الحكمة والمبدعين في مجالاتها ،، والله الموفق والمستعان .،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق